استقلال النرويج عن السويد.

مشاركة

حدث في مثل هذا اليوم الموافق ل 1905. “إن آخر حادث في تاريخ العلاقات الاتحادية (الفيديرالية)، ونعني به انفصال النرويج عن السويد – وهو الحادث الذي اسرعت الصحافة الاشتراكية الوطنية البولونية وتلقفته في حينه (راجع جريدة “نابرتسود”(1) الكراكوفية) باعتباره دليلا مفرحا على ما تتمتع به الميول إلى الانفصال السياسي من قسوة ومن صفة تقدمية، ان هذا الحادث، قد تحول فورا إلى برهان قاطع على ان الاتجاه الاتحادي والانفصال السياسي الذي ينتج عنه، لا يعنيان اطلاقا التقدم أو الديموقراطية. فبعد ” الثورة ” النرويجية المزعومة التي اقتصرت على خلع ملك السويد وعلي أبعاده عن النرويج، عمد النرويجيون بكل هدوء إلى تنصيب ملك آخر، بعد أن رد الاستفتاء بصورة صريحة مشروع اعلان الجمهورية، وهكذا تبين أن الحدث الذي سماه بعض المعجبين السطحيين بكل حركة قومية، وبكل ما يشبه الاستقلال، ” ثورة “، لم يكن في الحقيقة الا مظهرا بسيطا من مظاهر الفردية عند الفلاحين والبرجوازيين الصغار، ومن رغبة هؤلاء في أن يكون لهم، لقاء ما لهم، ملك ” خاص ” بهم عوضا عن الملك الذي فرضته عليهم الارستقراطية السويدية. فلم يكن لتلك الحركة اذن أي طابع ثوري على الاطلاق. ويثبت انفراط عقد الوحدة السويدية – النرويجية مرة أخري إلى أي حد. وفي هذه الحال ايضا، لم يكن الاتحاد الذي كان قائما حتي ذلك الحين الا تعبيرا صرفا عن مصالح الاسر المالكة وبالتالي شكي من الملكية والرجعية (“بشيغلوند”).

هذا كل ما قالته روزا لوكسمبورج حول هذا الموضوع ! ! ومن الواجب الاعتراف بان من الصعب ايضاح عجز موقفها بأحسن مما فعلت هي ذاتها في المثال المذكور.

لقد كان المقصود، ولا يزال، معرفة هل من الضروري ان يكون للاشتراكيين – الديموقراطيين العاملين في نطاق دولة ذات تركيب قومي مختلط. برنامج يعترف بحق تقرير المصير أي الانفصال.

فعلام يدل في هذا المجال مثال النرويج الذي اختارته روزا لوكسمبورج نفسها ؟

اننا نري كاتبتنا تلف وتدور وتتفنن وتهاجم ” نابرتسود ” ولكن بدون ان تجيب صراحة على السؤال ! أنها تتحدث عن كل شيء، كيلا تقول كلمة واحدة في جوهر المسألة !

من الثابت ان البرجوازيين النرويجيين الصغار، الذين رغبوا في ان يكون لهم ملك خاص بهم، لقاء ما لهم والذين ردوا في الاستفتاء مشروع اعلان الجمهورية، ان هؤلاء البرجوازيين الصغار قد كشفوا عن ميول تافهة، ضيقة الأفق، ذميمة جدا. ومن الثابت أيضا أن جريدة ” نابرتسود ” قد أظهرت هي الأخري ميولا تافهة ضيقة الأفق وذميمة حين لم تلاحظ هذا الأمر.

ولكن ما شأن هذا كله هنا ؟ ؟

اذ ان المقصود هو حق الأمم في تقرير مصيرها وموقف البروليتاريا الاشتراكية من هذا الحق ! فلماذا تدور روزا لوكسمبورج اذن حول المسألة، بدلا من معالجتها ؟

هناك مثل يقول: ليس ثمة حيوان، في نظر الفأر، اقوي من الهر. وعلي ما يظهر، ليس ثمة حيوان في نظر روزا لوكسمبورج أقوي من ” الفراك ” ! وال ” فراك ” هذا، هو لفظ ودي يطلق على الحزب الاشتراكي البولوني ” أي على ما يسمي بالجناح الثوري. وأن وريقة ” نابرتسود ” في مدينة كراكوفيا تشاطر ذلك ” الجناح ” آراءه. وان الحملات التي شنتها روزا لوكسمبورج على نزعة هذا ” الجناح ” القومية التي اعمتها إلى درجة غاب معها كل شيء عن بصر كاتبتنا ما عدا ” النابرتسود “.

فاذا قالت ” النابرتسود “: ” نعم “، وجدت روزا لوكسمبورج من واجبها المقدس ان تقول ” لا “، دون ان تفكر لحظة واحدة أنها بسلوكها هذا لا تعبر عن استقلالها ازاء ” النابرتسود ” بل بالعكس تعبر عن تبعيتها المضحكة بالنسبة إلى ” الفراك ” وعن عجزها عن النظر إلى الامور نظرة أعمق وأكثر شمولا – ولو بأقل القليل – من وكر النمل الكراكوفي. صحيح ان ” النابرتسود ” صحيفة سيئة جدا وليست ماركسية ابدا ولكن هذا يجب ألا يمنعنا من تحليل مثال النرويج من حيث الجوهر، ما دام اختيارنا قد وقع عليه.

ولكن نحلل هذا المثال على أساس ماركسي، يجب علينا ألا نتوقف عند الصفات السيئة التي يتصف بها هؤلاء، اعضاء ” الفراك ” المرهبين، بل ينبغي ان نقف قبل كل شيء عند الظروف التاريخية الملموسة الخاصة التي رافقت حادث انفصال النرويج عن السويد وبالتالي، عند الاهداف التي كانت موضوعة أمام البروليتاريا في البلدين ابان ذلك الانفصال.

مشاركة