فرنسا تمنح النساء حق التصويت

مشاركة

حدث في مثل هذا اليوم الموافق ل1944. باعتباره عسكريًا، لم يكن يحق للجنرال شارل ديغول أن يدلي بصوته في الانتخابات التي جرت في فرنسا، عام 1945. لكن زوجته السيدة إيفون ديغول ارتدت معطفها الأسود وقبعتها السوداء وذهبت لتضع ورقتها في صندوق الاقتراع، أمام كاميرات الصحافة، مدشنة حق المرأة الفرنسية في التصويت. إنه الحق الذي احتفلت الفرنسيات، أمس، بمرور 70 عامًا على انتزاعه.
قبل ذلك التاريخ بسنة، أي في أبريل (نيسان) 1944، ومن موقعه كرئيس للحكومة المؤقتة التي كانت موجدة في الجزائر، قرر ديغول الموافقة على السماح للمرأة بالتصويت في انتخابات المجلس الدستوري، كمكافأة للفرنسيات على الدور البارز الذي قمن به أثناء الاحتلال الألماني لفرنسا. ورغم أن النساء ناضلن طويلاً من أجل انتزاع ذلك الحق، فإن نسبة مشاركتهن كانت قليلة، كما أن نسبة تمثيلهن في مجلس الشيوخ لم تكن تتعدى 3 في المائة.
طوال الشهر الحالي كانت وسائل الإعلام تتنافس للعثور على من ما زالت على قيد الحياة منهن، وتبحث في المدن والأرياف عن أولئك الرائدات اللاتي شاركن بأصواتهن في الانتخابات العامة التي جرت في 29 نيسان (أبريل) قبل 70 عامًا. وهن قليلات بالفعل. فمن كانت قد بلغت سن الرشد التي تسمح لها بالتصويت، أي 29 عامًا، هي اليوم سيدة مسنة تجاوزت التسعين. لقد وجدن كاميرات التلفزيون تتوجه لهن وكأنهن لقى أثرية نادرة تستحق الحفاوة والتلميع. وتكشف أولئك الجدات المسنات أن موجة من الانطلاق الذي يشبه الجنون، عمت الشبيبة في ذلك الربيع لأنه ترافق مع تحرير باريس من الاحتلال. فقد كانت القوات البريطانية والأميركية التي شاركت في طرد الألمان تقيم حفلات الرقص وتدعو لها الباريسيين والباريسيات. وكان هؤلاء يسهرون بعد طول احتباس ويفرحون باستعادة حياة طبيعية مغايرة للخوف والحرمان في سنوات الحرب وفقدان الأحبة.
مع هذا، تؤكد النساء اللاتي عاصرن تلك الفترة أن منح المرأة حق التصويت ترافق مع شيء من التعتيم. فالناس كانوا مشغولين بانتهاء الحرب وبعودة الجيش وبالنتائج التي ستترتب على ذلك. أما الجمعيات النسائية التي كانت ناشطة في الثلاثينات من القرن الماضي، متأثرة بحركة تحرير المرأة في الولايات المتحدة الأميركية، فقد جرى حلها أثناء الاحتلال وصار موضوع المساواة قضية ثانوية تأتي بعد هموم إعادة الإعمار وتوفير العمل للمجندين المسرحين من الجيش وتعويض عائلات شهداء الحرب. وفي ظل تلك الأجواء، كان من الطبيعي أن تخفت نبرة الحديث عن التيارات النسوية والعلمانية ومثيلاتها من حركات التغيير الاجتماعي.
لقد رفعت الفرنسيات الصوت للمطالبة بحق الانتخاب منذ 1880، أسوة بالإنجليزيات والأميركيات اللاتي نلن ذلك الحق. لكن البلد كان يريد استعادة الحياة الديمقراطية قبل أي هم آخر. لذلك فإن فتح صناديق الاقتراع أمام النساء جاء تحت شعار تكريمهن ومكافأتهن على دورهن وتضحياتهن في مقاومة الاحتلال. وهو دور لم تنخرط فيه كل الفرنسيات. فقد اتهمت مئات الآلاف منهن بإقامة علاقات مع الجنود الألمان عوقبن بعد التحرير. لكن الشابات، عمومًا، كن مزهوات ويشعرن بأنهن جزء من الحماسة الوطنية والمجهود الحربي. ورغم جهل كثيرات بأمور السياسة فإنهن كن يتحركن وفق شعور وطني شامل.
وتعتبر مؤرخات الحركة النسوية في فرنسا أن ديغول لم يكن بمفرده صاحب الفضل في حصول المرأة على حق التصويت. فقد نوقش الأمر قبل ذلك في الحكومات السابقة، لكن أعضاء مجلس الشيوخ وأنصار الحزب الراديكالي كانوا يقفون حجر عثرة دون اتخاذ القرار. والسبب هو الخشية من أن يتحول التصويت النسائي إلى مجرد نسخة من تصويت أزواجهن وآبائهن. لقد تخوف السياسيون من هذه الكتلة النسائية التي تشكل نسبة 55 في المائة من الأصوات. والغريب أن المحافظين انضموا فيما بعد إلى التقدميين في دعم حق المرأة الانتخابي، بعد أن اكتشفوا فيه رافدًا جديدًا ووسيلة للحصول على مزيد من الأصوات لمرشحيهم. ففي تلك السنوات قبل سبعة عقود، لم تكن المرأة الفرنسية تتمتع بالحرية التي هي عليها اليوم، وغالبًا ما كان الاعتقاد السائد هو أن المرأة تمنح صوتها للمرشح الذي يختاره زوجها. مع هذا فإن الإحصائيات تؤكد أن النساء كن مختلفات في تصويتهن عن الرجال وقد مالت غالبيتهن إلى التيار الديغولي، حتى عام 1970.
في عام 1968، أثناء الثورة الطلابية، كانت نسبة تمثيل الفرنسية في البرلمان لا تتعدى الواحد في المائة. أما اليوم فإن النسبة هي 30 في المائة، أي أن المرأة ما زالت مغبونة الحق بالقياس مع شقيقاتها الأوروبيات وحتى الشرقيات. إن نسبة تمثيل العراقيات في المجلس النيابي في بغداد أعلى منها في باريس.

مشاركة